يبدو أن التطور السريع للذكاء الاصطناعي والذي كان يُشاهد في أفلام الخيال العلمي فقط، سرعان ما ستظهر نتائجه في طرقاتنا في غضون الأعوام القليلة المقبلة. يستثمر قطاع صناعة السيارات بكثافة في قوة الذكاء الاصطناعي لجعل السيارات أكثر أمنًا وكفاءةً، بما في ذلك السيارات ذاتية القيادة، والسيارات القادرة على تقييم الأضرار اللاحقة بها لأغراض الصيانة.
يسود اعتقاد خاطىء مفاده أن التكنولوجيا التي نراها اليوم قد تم تطويرها خلال العقد الحالي. غير أن تأريخ مفهوم السيارة ذاتية القيادة يعود إلى عشرينيات القرن الماضي. أنشأ أحد المخترعين سيارةً يمكن التحكم بها عن بعد، وتمكّن من عرضها خلال سيرها ذاتيًا في مدينة منهاتن باستخدام جهاز إرسال من سيارة ثانية، كما أظهر السيارة وهي تُشغّل محركها وأبواق الصوت وتُغيّر الترويسة ذاتيًا. وبالمثل، فقد نظّر أحد عُلماء الكمبيوتر في عام 1969 أن سيارات المستقبل ستكون خاضعةً لسيطرة الكمبيوتر ويمكن أن تعمل بطريقة “السائق الآلي”. ويمكن للراكب بناءً على تلك النظرية إدخال وجهته باستخدام لوحة مفاتيح، ومن ثمّ تسيير السيارة ذاتيًا نحو الاتجاه المحدد مُسبقًا. كما يمكن للراكب أيضًا إصدار تعليمات للسيارة بالتوقف أو الانعطاف باستخدام جهاز تحميل البيانات.
في حين لم يتم بعد تصميم سيارات بتلك المواصفات، فمن المُتوقع أن تظهر خاصيات ومزايا مُشابهة في سيارات المستقبل القريب. وبالفعل، فقد ظهرت ميزات منذ بداية منتصف العام 2000 مثل مساعدة السيارة على التوقف، حيث أمكن للسيارة أن تتوجه ذاتيًا إلى مكان التوقف الخاص بمساعدة بسيطة أو شبه معدومة من السائق. تتمثل التكنولوجيا التالية المتوقّع استكشافها من قبل مُصنّعي السيارات فيما أُطلق عليه خاصية “مساعد السائق”، حيث يمكن للسيارة المُزوّدة بمساعد السائق إنجاز العديد من المهام، مثل التوقف الطارىء في حالة اصطدام وشيك، أو اكتشاف حالات اختراق المرور حيث تكشف السيارة عن أية سيارة أخرى تقترب من سيارتك وتُعطي إشارة تحذير. تأتي بعض السيارات مجهزةً بإمكانية التوجيه من خلال مساعد السائق، وفي هذه الحالة تأخذ السيارة السيطرة على عجلة القيادة لإعادة التوجيه واستقرار الاتجاه ذاتيًا.
على الرغم من أن هذه الميزات مُثيرة للإعجاب حقًا، إلا أنها لا تدخل في نطاق الخيال العلمي، فتلك النظريات والاختراعات هي مصدر السيارات ذاتية القيادة أو السيارات بدون سائق. من المتوقع أن يتم بحلول العام 2019، إتاحة السيارات التي تعمل بدون سائق تجاريًا، كما تعتزم شركة مُصنّعة للسيارات بدون سائق تقديم ذلك النوع من السيارات في سوق سيارات الأجرة في سنغافورة. يُعرف العلم الذي يُتيح لنا إنجاز هذه التطورات العلمية الفذّة بالتعلّم العميق، وهو أسلوب تعلّم الآلة الذي يستخدم الخوارزميات المُستوحاة من بعض وظائف الدماغ البشري. سيستخدم النظام التي تعمل وفقه السيارات بدون سائق وقتًا طويلًا من بيانات التدريب قبل أن يُمكن اعتبارها آمنةً ليتم تقديمها للاستخدام للعامة. كما ينبغي أن تُزوّد برمجيات السيارات التي تعمل بدون سائق بأجهزة كاميرات ورادارات وأنظمة تحديد المواقع، وأجهزة تصوير بالموجات الصوتية، وأجهزة الاستشعار حتى تكون قادرة على السير.
بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير قدرات الصيانة التنبؤية وهي تقنية مُصمّمة لغرض التنبؤ بموعد حاجة المعدات للصيانة بدلًا من إجراء الصيانة الوقائية التي يمكن أن تكون مُكلفةً وعديمة الجدوى إذا لم تكن المعدات بحاجة إلى الصيانة، وهو ما يوفر كفاءةً في التكلفة والوقت. يتم في الوقت الحالي إضافة واحدة من أحدث الوظائف إلى تلك النوعية من أعمال الصيانة، وهي استخدام الخدمات السحابية أو “خدمات توزيع تحديثات البرمجيات عبر الهواء”، التي تقوم بتحديث ونقل البيانات التشخيصية والتشغيلية لأنظمة السيارة ومكوناتها. تتمثل تكنولوجيا “خدمات توزيع تحديثات البرمجيات عبر الهواء” ببساطة في السماح بتطوير البرامج والأنظمة داخل السيارة وإصلاحها عن بعد، وهي التقنية نفسها المستخدمة في تطوير الهواتف الذكية. يُمكن لمثل هذه الوظائف أن تستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف عن مُعظم التغييرات الدقيقة التي قد تطرأ على أنظمة السيارة وتقديم الحلول تلقائيًا إذا كان العطل قابلًا للإصلاح عبر التكنولوجيا السحابية. ومن هنا يمكننا الجزم بأن تكنولوجيا التعرف على الوجوه وتحديد هوية السائق سيشكلان وظائف مهمّةً في السيارات المستقبلية. كما يمكن استخدام التكنولوجيا ذاتها لمراقبة السائق، ودراسة وضعية الرأس، والجلسة داخل السيارة، وتركيز نظرة العين، ومن ثمّ الانفتاح لتحديد ما إذا كان السائق يقظًا أو مُشتّتًا، وتنبيهه لإبقاء عينيه على الطريق إذا لم يكن كذلك.
يخشى بعض العلماء من أن فترة “خريف الذكاء الاصطناعي” سوف تُضعف التقدم في تطوير السيارات الذاتية القيادة بشكل كبير، رغم أن كل هذه المعلومات تبدو واعدةً ومثيرةً للغاية. يعبر بعض الخبراء عن شكوك حول ما إذا كانت السيارات ذاتية القيادة قادرةً على توفير الأمن والسلامة بما يكفي لتسييرها على الطرقات بحلول عام 2019. تنبعث مثل هذه الشكوك من بعض الحوادث التي سببتها نماذج أولية من السيارات ذاتية القيادة، وتمثلت المشكلة التي واجهتها أنظمة الذكاء الاصطناعي في كل حالة في حدوث وضعية معينة لم يكن قد سبق أن تعلمّها النظام من قبل. ونتيجةً لذلك، لم يتمكن نظام الذكاء الاصطناعي من تحديد المشكلة واتخاذ القرار المناسب بدقة. تسبب الافتراض بأن المهندسين قادرون على تغطية كافة “الحالات العامة”، في اعتقاد العديد من الخبراء بأن الطريق لا يزال طويلًا أمام الذكاء الاصطناعي قبل أن يتم تنفيذه بشكل مناسب، حيث أنه من غير المعقول أن يتم تعليم الأنظمة كافة الحالات غير المُتوقعة. وعلى عكس ذلك، فإن العلماء والمهندسين متفائلون بأنه بمجرد أن يتم تشغيل السيارات ذاتية القيادة ووضعها في الخدمة سيصبح بالإمكان إجراء تحسينات وتطويرات مع كل حالة تواجهها. وعلى سبيل المثال، حدثت تطويرات ثابتة في مجال التكنولوجيا والسلامة في قطاع الطيران جرّاء التشخيص المُكثف لكل حادثة.
على الرغم من بعض الأصوات المُترددة من هنا وهناك لدى بعض المجموعات الصغيرة من الناس، غير أن سيارات المستقبل المستقلة ذاتية القيادة التي تعمل على التكنولوجيا المتقدمة ستصبح قريبًا القاعدة. تفوق فوائد مثل هذا النظام بشكل كبير سلبياته ولا يُتوقع لهذه التكنولوجيا إلا أن تتطور أكثر وتمضي قُدُمًا إلى أبعد من ذلك.