تخطّت التكنولوجيا اليوم كافة القطاعات والصناعات الأخرى بفضل الوتيرة السريعة التي تتطور بها، وذلك لدرجة أنه أصبح من المُتعارف أن نجاح شخص ما لم يعد مرتبطًا بالقطاع الذي ينتمي إليه. كما يُلاحظ تنافس الشركات فيما بينها من أجل التخصّص في قطاعات التكنولوجيا المختلفة، وبالتالي، فإن التكنولوجيا التي تُحدث تغييرات عميقة في كافة القطاعات والمجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وتعلّم الآلة، وإنترنت الأشياء وغيرها، تقود اليوم ظاهرة التحوّل الرقمي حول العالم. وفي هذا الإطار من الزخم، اكتسب أحد فروع التكنولوجيا التي تقع تحت تصنيف الذكاء الاصطناعي رواجًا كبيرًا في الآونة الأخيرة: رؤية الكمبيوتر.
تتمثل تكنولوجيا رؤية الكمبيوتر بشكل أساسي في استخدام البرامج والخوارزميات المدعومة بتعلّم الآلة لفهم وفكّ تشفير الصور المرئية القائمة على وحدات “البكسل”، سواءً كانت صورًا فوتوغرافيةً أو مقاطع فيديو. على الرغم من أن هذه الخوارزميات كانت موجودةً منذ أوائل الستينات، إلا أنها أصبحت أكثر تعقيدًا، خاصةً في العقد الأخير. تهدف رؤية الكمبيوتر إلى تكرار الطريقة التي تُعالج بها أدمغتنا الصور، وللوصول إلى ذلك يتم إحداث رابط وثيق بين العلوم العصبية وتكنولوجيا تعلّم الآلة، حيث يتم تعليم الآلات على تفسير الصور باعتبارها “بكسلات” يحتوي كلّ منها على مجموعة من الألوان.
يتم فك ترميز كل صورة تقوم بتحميلها على جهاز الكمبيوتر إلى مجموعة من القيم العددية باستخدام قوة التعلّم العميق، وبالتالي تتم معالجة آلاف الصور بواسطة آلة للحصول على رؤى ودمج رؤية الكمبيوتر. يتم بعد ذلك دمج المفاهيم الأساسية المُستخلصة في المنتجات التي يستخدمها المُستهلك النهائي. وفي الواقع، أصبحت رؤية الكمبيوتر جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية دون أن نُدرك ذلك. بدأت تطبيقات التواصل الاجتماعي باستخدام برنامج التعرّف على الوجوه لتحديد الأشخاص في الصور، والحفاظ على أمنها، والعثور على الصور التي تمت الإشارة إليك فيها. كما أنه أصبح اليوم بإمكان بعض الخوارزميات مساعدة الأشخاص الذين يُعانون من صعوبات بصرية على الرؤية من خلال وصف الشكل الذي تبدو عليه الصورة بصوت مرتفع، وفيسبوك يعدُّ واحدًا من تلك الأمثلة. حققت وسائل التواصل الاجتماعي خطوات كبيرة في استخدام تكنولوجيا رؤية الكمبيوتر، وأكبر شاهد على ذلك النتائج التي تم التوصل إليها على مستوى تحسين وتطوير تجربة المستهلك.
نحن نعيش اليوم في عالم نمتلك فيه أجهزةً تُمكّن خبيرات الموضة من التقاط صور شخصية للجسم بالكامل، وكما تبادر إلى ذهنك، فتلك الأجهزة مدعومة بتكنولوجيا رؤية الكمبيوتر. تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بعد ذلك بتحليل الملابس الخاصة بخبيرة الموضة وتقدم لها خيارات الزينة إلى جانب تقديم تقييم شامل للشكل العام. هل ترى أن هذه التقنيات تجعل الحياة أسهل؟ هذا ليس كل شيء، فقد أدركت صناعات مثل النقل، والصحة، والبنوك قيمة رؤية الكمبيوتر وبدأت في تنفيذها.
تُمثل المركبات ذاتية القيادة مثالًا ممتازًا على نجاح تكنولوجيات رؤية الكمبيوتر، نظرًا لأن معظم التكنولوجيا الأساسية في هذه المركبات تعتمد على مقاطع الفيديو المُتعددة التي يتم إدخالها ضمن نظام المركبة واستخدام تكنولوجيا رؤية الكمبيوتر لاختيار مسار المركبة. كما أكدت الأبحاث أن الخبراء قد نجحوا في تطوير نظام حديث لقراءة صور قاع شبكية العين وذلك لفائدة مرضى اعتلال الشبكية المُرتبط بمرض السكري، حيث تعتمد معظم آليات التشخيص الطبي على معالجة الصور باستخدام تقنيات مثل الأشعة السينية ومسح التصوير بالرنين المغناطيسي وما إلى ذلك. يمكن القول أن نجاح تكنولوجيا رؤية الكمبيوتر في القيام بمسح الصور يؤهلها لأن تستمر في إنقاذ الأرواح ومنع الكثير من الأمراض، ولا يمكن إنكار وجود إمكانات هائلة في هذه الاتجاه! يظهر دخول قدرات تكنولوجيا رؤية الكمبيوتر إلى القطاع البنكي، وقطاعات الخدمات المالية والتأمين من خلال استخدامها من قبل البنوك في عمليات إيداع الشيكات عن بُعد والتحقق من التوقيعات من خلال الصور، وبالتالي، تساعد هذه القدرات على تخفيف القيود الزمنية على تحويل الأموال ومنع عمليات الاحتيال.
وبشكل عام، تحتاج الصناعات في كافة الاختصاصات إلى تبنّي التكنولوجيا اليوم إذا أرادت مواجهة المُنافسة بشكل مباشر. أثبتت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ورؤية الكمبيوتر أنها ميزة استراتيجية هائلة للشركات، وهذا تحديدًا ما يميزها. لا شك أن تغيير قواعد اللعبة في أي من المجالات والقطاعات هو السبيل الوحيد أمامنا اليوم، خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا، وكلما أدركت الصناعات ذلك بشكل أسرع، كلما كانت فرص نجاحها أكبر!