أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم للأشخاص أن يكونوا على اتصال دائم. وسواء تعلّق الموضوع بمنشور بسيط حول حدث سعيد حصل خلال اليوم، أو بمناقاشات حول التصورات الاجتماعية والسياسية المختلفة، تُعْرب الجماهير بشكل متزايد عن آرائها عبر منصات مُتعددة تمامًا كما يفعلون خلال مُناقشاتهم خارج وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت. أصبحت هذه المحادثات عبر الإنترنت في واقع الأمر بارزةً أكثر من تلك التي تحدث خارجها، نظرًا لكونها تكتسب قدرةً أعلى بكثير على الوصول في وقت قصير للغاية. تعدُّ حالات التواصل المُختلفة تلك عبارةً عن كميات هائلة من البيانات الخام التي تنتظر تحليلها، وقد أدّت هذه البيانات إلى ظهور علم جديد في الأعوام الأخيرة اسمه: علم التنقيب عن الآراء.
يُطلق تعبير “تحليل المشاعر” على عملية مُراقبة ما يقوله الناس عبر شبكة الإنترنت من خلال ما يعبرون عنه من إعجاب أو عدمه وتعليقاتهم. تُساعدنا هذه التكنولوجيا على معرفة مشاعر الناس، في حين أن التنقيب عن الآراء يذهب خطوةً إلى الأمام لتحليل الأسباب الكامنة وراء شعور معيّن على الأشخاص. اكتسبت تكنولوجيا التنقيب عن الآراء زخمًا هائلًا في وقتنا الحالي بدعم من تعلّم الآلة، ومن المُتوقّع أن تحظى بمكانة كبيرة لما توفره من إمكانات استخلاص أفكار وآراء قيّمة من وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما من شأنه أن يعود بالفائدة على العلامات التجارية بشكل كبير للغاية. أدركت العلامات التجارية أهمية التنقيب عن الآراء لأن هذه المحادثات تُعدّ صلةً مباشرةً بالمُستهلك والعميل ومصدرًا وفيرًا لردود أفعاله وعواطفه في الوقت الحقيقي أيضًا.
من المعروف أن التحولات في معنويات الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ترتبط ارتباطًا مُباشرًا بتغيّرات سوق الأسهم، حيث أن القدرة على قراءة الرأي العام وإدراكه تساعد العلامات التجارية أيضًا في رسم استراتيجيات التسويق المُستهدفة. من مزايا هذه التكنولوجيا أنها لا تُمكّن العلامات التجارية من التعرف عما يفكر به الأشخاص فيما يتعلق بمنتجاتهم فحسب، بل تُمكّنهم أيضًا من البحث عما يقوم به المنافسون ومن ثمّ التخطيط وفقًا لذلك. على سبيل المثال، قد ينشر مُستخدم عبر شبكة الإنترنت تعليقًا يصف فيه كيف حقّق القيمة مقابل المال من عملية شراء سيارته الجديدة، غير أنه غير راض عن الزخارف والأجهزة الداخلية. يُمكن لهذه البيانات بمجرد تحليلها أن تساعد في أبحاث السوق وبالتالي تؤدي إلى تجربة أفضل للعملاء بشكل عام، وهذا هو مستقبل التسويق.
يبدو الأمر مثيرًا للاهتمام أليس كذلك؟ غير أن الأمر الأكثر إثارةً للاهتمام هو معرفة كيف يعمل هذا النظام. يستخدم التنقيب عن الآراء معالجة اللغات الطبيعية لتحديد مجموعة الآراء حول المواضيع في مجموعة نصيّة معينة، فيما يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل المحتوى إلى أجزاء مكوّنة وفهم الطبيعة الحقيقية للمشاعر التي يتم التعبير عنها. يتم تسجيل هذه الآراء وفقًا لفئات تمتدُّ من الأكثر إيجابيةً إلى الأكثر سلبيةً باستخدام كلمات معينة تساعد في تحليل المشاعر وتحديد الاتجاهات في الموقف والمزاج. على سبيل المثال، يتم تصنيف كلمات مثل “الحب”، و”ممتاز”، و”سعيد”، و”استمتع”، ضمن المشاعر الإيجابية، فيما تعتبر كلمات مثل “لم يعجبني”، و”غير سعيد” سلبيةً. غير أن هذه العملية لا تزال بحاجة إلى إتقان.
من البديهي أن اللغات البشرية نفسُها في تطور مستمر، ولهذا السبب، ليس من الصواب ترك العملية في يد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وحدهما. تتمثل التحديات الحالية التي تتحكم في مدى دقة تكنولوجيا التنقيب عن الآراء في ظواهر تتعلّق بالتعبير عن المشاعر الطاغية، والأسلوب الراقي والبلاغة في التعبير، والغموض غير المقصود، والنقد الساخر، والحديث باللهجات العامية، إلى جانب كون الناس يُعبرون عن الآراء بشكل مختلف. وعلى جانب آخر، لم تتمكن الخوارزميات من فهم ظاهرة التناقض الذي يعبر عنه الناس في بياناتهم، مما يجعل العملية عرضة للأخطاء والعيوب بدون تدخل بشري. مما لا ريب فيه أن صانعي السياسات، ووسائل الإعلام، وشركات التجارة والأعمال العالمية، ومُصنّعو المُنتجات الاستهلاكية سيكسبون الكثير من خلال التنقيب عن الآراء، وكُلما سارعوا في إدراك ذلك، كلّما كانت فُرص النجاح أكبر بالنسبة لهم.